أنت قدرنا أيها الحب !
أن تجد من يحبك وينظر إليك بقلبه فأنت محظوظ جداً، ذلك أننا في زمن غريب ومختلف، تداخلت فيه عدة جوانب واهتمامات للإنسان، فباتت مساحات المشاعر قليلة أو نادرة، أو إذا صح التعبير مغمورة لا مجال لانبثاق نورها الجميل.
لماذا؟ لأن إنسان اليوم يمضي وقته في تتابع وروتينية بالغة التعقيد من المهام والأعمال، تملأ عقله وجوارحه مشاعر الخوف من فقدان لقمة العيش، أو السعي الذي لا يعرف الكلل من أجل المحافظة على وضع معيشي أو مكانة اجتماعية محددة، أو من أجل الطموح والرغبة في الصعود في سلم الرقي الاجتماعي. إنسان اليوم مهموم وكأنه في دوامة من الأفكار المتكررة التي لا تسمح بالمشاعر ولا تمنح الأحاسيس مكاناً ودوراً، وعلى الرغم من هذه الدوامة فالإنسان لا زال يحب، وسيظل متطلعاً باستمرار أن يجد صدى لهذه المشاعر في قلبه.
أتذكر مقولة للفيلسوف جيرالدي: " الشباب يتمنون الحب فالمال فالصحة، ولكن سيجىء اليوم الذي يتمنون فيه الصحة فالمال فالحب". وأعتقد أن توقعاته قد باتت واقعاً نعيشه، بل إذا أردتم أسوأ، حيث انحدر وهبط الحب لمنزلة أدنى وأقل في الاهتمامات. لعل أبلغ صورة في مجتمعاتنا الشرقية للدلالة على هذا الجنوح هو في الزواج المرتب، وأقصد أن شباب وفتيات هذا العصر على حد السواء، باتت لديهم قناعة تامة بأن لا مجال للحب في المواضيع الحياتية وأشدها أهمية وهي المؤسسة الزوجية، باتت هناك نظرة متجذرة بأن آلية الاختيار ومن ثم الاقتران هي الأمثل وهي قدرنا جميعاً. غني عن القول إن أرقام الطلاقات والانفصالات وفشل الزواجات منذ السنة الأولى تعطي دلالة واضحة على أن هناك خللاً في آلية زواج - أكشط وأربح - فعملية الحظ في الاختيار لا مكان فيها للحب وللمشاعر المتبادلة والاتفاق على تأسيس حياة زوجية سعيدة مديدة طويلة، فمن يقوم بعملية الاختيار هي الأم والشقيقات بمنظورهن ووفق ما يملي عليهن عقلهن، أما صاحب العلاقة فبعيد تماماً، وقدره أن يستمع لشروحات الأم ووصف الشقيقات لعروس المستقبل، وما عليه إلا أن يتخيل هذه العروس بناء على هذا الوصف، وإذا قدر وشاهدها قبل الزواج فهي لبرهة من الزمن وللحظات قليلة تعد بالدقائق القصيرة، وبعد الزواج ومنذ الأسبوع الأول يبدأ بالشعور بالخديعة، وأن الزوجة لم تكن وفق ما تخيل وما طلبه من أمه وشقيقاته! وعلى الجانب الآخر فإن الزوجة أيضاً تشعر بأن فارس أحلامها لا يعدو كونه شاباً سطحياً يقضي معظم وقته في نزهات مع أصدقائه بلا اهتمامات أو رؤية أوتخطيط للمستقبل. فقط سقت مثالاً عن طريقة الاختيار للحياة الزوجية، والذي يتم بناؤه في مجتمعات إنسانية أخرى على أسس من الحب والصدق والمصارحة والمشاعر النقية، إلا أن هذه المفردات لدى البعض كالجريمة والهاجس الذي يخاف منه.
ورغم كل هذا فإنني أقول إنه لا مفر من الحب، ولا فكاك منه، حتى أولئك الجاحدون القساة، لابد وأن تجد في أفئدتهم متنفساً ومساحة لهذه المفردة العجيبة "الحب"، نعم يوجد أدعياء وكاذبون، ولكن يوجد بالمقابل كم هائل من الحقيقة المبهرة لهذه المشاعر الدافئة.
إرسال تعليق